العناكب… هل يجدر بنا أن نقلق من لدغة أرملة مزيفة؟
تعتبر العناكب لا تسبب أذى للإنسان، باستثناء بعض الأنواع (حوالي 200 من 40,000 نوع فقط) ومن أشهرها الأرملة السوداء. فالعناكب، وإن كانت مخلوقات غير محبوبة لدى الإنسان، إلا أنها صديقة له، بل وذهب البعض إلى حد القول بأنه لولاها لما كان للإنسان مستقر على الأرض؛ ذلك لأنها تقضي معظم وقتها في اصطياد الحشرات والفتك بها. فلولاها لتكاثرت الحشرات وأتت على الأخضر واليابس.
يبدو أن اللدغات تحدث عندما تكون العناكب محاصَرة بين طيّات الملابس أو عندما يتقلّب الناس وهم نائمون فيحاصرونها.
قد يغفر لك إن ظننت أن المملكة المتحدة معرّضة لحالة طوارئ بسبب العناكب. مع حديث وسائل الإعلام عن “ارتفاع أعداد العناكب” و”التحذير من لدغات خطيرة”، يتعرّض الناس “للترهيب”، بل إنهم حتى يدخلون المستشفى.
مثل هذه العناوين بدأت تظهر بكثرة منذ عدة سنوات، والنوع الذي يقف وراء الهوس العنكبي الإعلامي هو عنكبوت الأرملة المزيفة النبيلة ستیتودا نوبيليس Steatoda nobilis.
هذا النوع هو وافد جديد نسبيا إلى المملكة المتحدة، فقد جاء من جزر الكناري الإسبانية وماديرا البرتغالية. وأبلغ عنه أول مرة من موقع قريب من توركواي في جنوب شرق إنكلترا عام 1879، ومنها انتشر في جنوب إنكلترا، وتكاثر منذ ثمانينيات القرن العشرين، فانتشر بوفرة، لا سيما في المناطق الحضرية.
كما توسع في انتشاره شمالا. لذلك، وعلى الرغم من حداثة العناوين الرئيسة المرعبة، فإن هذا النوع موجود في أجزاء كثيرة من البلاد منذ زمن.
أنياب كثيرة
إذا أردنا معرفة الحقيقة وراء العناوين الرئيسة، فعلينا الإجابة عن عديد من الأسئلة. أولا، هل يمكن للأرامل النبيلة المزيفة أن تلدغ حقا؟ ليس للعديد من أنواع العناكب البريطانية أنياب قادرة على اختراق جلدنا، لكن أنياب الأرملة المزيفة النبيلة يمكنها ذلك بالتأكيد.
ولكنها مثل معظم العناكب لا تتسم بالعدوانية، إذ يبدو أن اللدغات تحدث عندما تحاصر العناكب بين طيات الملابس أو عندما يتقلب الناس وهم نائمون فيحاصرونها، لا شك في أن لدغة العنكبوت مزعجة، لكن من المهم أن نضع في اعتبارنا أن هذه الحيوانات لا تخرج من مخابئها لتنقضّ علينا.
السؤال الثاني الذي تحتاج إلى الإجابة عنه هو: هل تزداد وتيرة اللدغات؟ بالنظر إلى أن العناكب تزداد وفرة، وأنها توجد حيث يعيش الناس، فمن المؤكد أن الأمر كذلك على الأرجح.
كما تؤكد هذه الزيادة أدلة بعيدة عن عناوين وسائل الإعلام، إذ تتزايد عناكب الأرملة المزيفة النبيلة في أيرلندا، وقد تناولت لدغاتها دراسة أجريت أخيرا في جامعة أيرلندا الوطنية National University of Ireland في غالواي.
وأفاد أيستی فینتكاوسكایت Aiste Vitkauskaite، وهو طالب ماجستير في علم السموم، وشارك في الإشراف على الدراسة، بأن “نحو 10 أنواع من العناكب الأيرلندية لها أنياب كبيرة بما يكفي لتنغرس لدغتها في جلد الإنسان، لكننا لم نسمع قط، على مدار السنوات الخمس الماضية، عن أي شخص تعرّض للدغ من أي من الأنواع المحلية. إبان الفترة نفسها سجلنا العشرات من لدغات الأرملة المزيفة المؤكدة أو المحتملة”.
ومضى فيتكاوسكایت ليؤكد أن: “هذه العناكب ستزداد انتشارا وكذلك ستتواتر لدغاتها”.
السؤال الأخير وربما الأهم للإجابة عنه هو: هل اللدغات خطيرة بحيث يتعين على المصاب اللجوء إلى الطبيب؟ هذا سؤال تصعب الإجابة عنه. قد يكون من الصعب التأكد من أن اللدغة هي لدغة عنكبوت بالفعل، وإذا كانت كذلك فمن أي نوع؟ تغلبت الدراسة الأيرلندية على ارتكاب خطأ في التعرف على الأنواع (ويمكن بسهولة الخلط بين العناكب النبيلة المزيفة وأنواع مماثلة) باستخدام الحمض النووي DNA والتنميط الجيني Genetic profiling.
سمح لهم هذا بتأكيد حدوث 16 حالة تسمم” Envenomation، وذلك عندما أدت لدغات العناكب إلى حقن السم عبر الجلد، وشملت الأعراض الآلام الشديدة والرجفة والتعب والغثيان وانخفاض ضغط الدم. كما كانت اللدغات قادرة على أن تسبب التهابات بكتيرية، بما في ذلك التهاب النسيج الخلوي Cellulitis والتهاب الجلد Dermatitis.
في حين يسبب عديد من اللدغات على الأرجح أعراضا خفيفة فقط، فإن بعض الأشخاص قد يعانون أعراضا أكثر حدة، كما وجدت الدراسة؛ إذ استدعت بعض الحالات دخول المستشفى، وتحذّر الدراسة من أن الأرامل المزيفة النبيلة قد تمثل تهديدا محتملة للصحة العامة.
على الرغم من أن هذه الدراسة الجديدة تظهر أنه في بعض الحالات يمكن أن تسبب لدغات الأرملة الزائفة النبيلة مشكلات للبشر، فإننا بحاجة إلى إبقاء الأمور في نصابها. لم يمت أي شخص بسبب سم العنكبوت في المملكة المتحدة، في حين يقتل نحو خمسة أشخاص سنويا بسبب لسعات الدبابير والنحل، ويموت عدة أشخاص سنويا من جراء هجمات الكلاب. يبدو أن لدغة العنكبوت تستنفر أعمق مخاوفنا لكن علينا أن نتذكر أن كثيرا منا عاشوا وسيعيشون مع عناكب الأرملة المزيفة القليلة حول منازلنا من دون أن نعاني أي أثر سيئ.
في الواقع، أشك في أن معظم الناس على دراية بها. لقد تلقيت عديدا من الصور لعناكب يعتقد أنها أرامل مزيفة نبيلة، وكان عدد قليل جدا منها كذلك. وكما هي الحال مع معظم المخاطر، يجب ألا نبالغ في وصف الأمور، وقد يجدر بنا أن نمتن لأننا في المملكة المتحدة لدينا عدد قليل من الحيوانات التي يمكن أن تسبب لنا أي ضرر.